بعد سقوط طائرة : جديدة النعوش الطائرة .. مسلسل متواصل
الطائرة ارتطمت بالمدرج بالقرب من سرادق الاحتفال قبل نصف ساعة من العرض
06-21-2012 06:09 PM
المقاعد الأربعة الفارغة على متن الطائرة المتجهة مساء أمس لمدينة بورتسودان كانت تخص نازك وأبناءها الثلاثة آلاء وإيلاف ومحمد وهم فى طريقهم للحاق بوالدهم الطيار سليمان بمدينة بورتسودان، إلا أن اتصالا مفاجئا منتصف نهار أمس أحال مسكنهم لسرادق عزاء بعد رحيل رب الأسرة.
استيقظ سكان مدينة بورتسودان على نبأ سقوط طائرة عسكرية بأكاديمية بورتسودان الجوية بحي ترانسيت قبالة حي المطار وتناقل المواطنون النبأ بشيء من الخوف والتوجس من أن تكون الحادثة بفعل فاعل.
ممنوع التصوير
وفيما منعت السلطات وسائل الإعلام والصحفيين من الاقتراب والتصوير وإحاطتهم بأية معلومة قال الناطق للقوات المسلحة المقدم الصوارمي خالد سعد لـ(السوداني) إن الطائرة سقطت أثناء طلعة تدريب عادية إثر عطل مفاجئ أصابها، وأضاف الصوارمي أن الكابتن أبلغ برج المراقبة بالعطل، لترتطم بعدها الطائرة بالمدرج ويستشهد طاقمها المكون من مقدم طيار سليمان حسن أرباب والملازم أول نزار الزاهر.
ورصدت (السوداني) نقل جثامين الشهيدين إلى مستشفى الشرطة بديم السجن وهرع عدد كبير من المسؤولين الولائيين إلى مكان الحادث ومستشفى الشرطة. ووروا الثري بمقابر السكة حديد بالسوق الشعبي ظهر أمس في موكب مهيب تقدمه والي البحر الأحمر محمد طاهر أيلا وعدد من أعضاء حكومته وقادة القوات النظامية والفعاليات الشعبية.
استعراض جوي
الطائرة التى تحطمت بالأمس كانت من طراز (PT6) تابعة للقوات المسلحة، كانت فى عرض جوي تمهيدي لعرض جوي رسمي كان من المفترض أن يقام على شرف وفد تنفيذي زائر من دولة المجر؛ أتي فى سياق التبادل المعرفي بين الأكاديميات الجوية في البلدين كان مقرراً الاحتفال به أمس، وقد تم نصب صيوان الاستقبال استعدادا للاحتفال، لكن الطائرة ارتطمت بالمدرج بالقرب من سرادق الاحتفال قبل نصف ساعة من العرض.
سفر وسفر
قبل ساعات قليلة من الحادثة كان المقدم طيار سليمان حسن أرباب يطمئن عبر الهاتف على استعداد زوجته نازك وابنائه الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم بين السابعة والثالثة وهم آلاء وإيلاف ومحمد للحاق به فى مدينة بورتسودان.
أخبرته بأنها حزمت حقائبهم وقطعت تذاكر السفر لطائرة السابعة مساءً ليلحقوا به، مر الوقت على نازك ثقيلا والقدر يبدل ويعدل خطوط السفر ويقطع تذكرة باتجاه واحد للمقدم سليمان نحو وجهة لا تعرف العودة.
فى منتصف النهار فجعت نازك بعد علمها بنبأ استشهاد زوجها فى الحادثة، لذلك كانت صدمتها كبيرة فانتحبت طويلا وهى تردد"أنا كنت جاياك الليلة".
بلا توقف
حجزت الطائرة الأخيرة مكانها فى لائحة طويلة من قائمة النعوش الطائرة فى السودان بشقيها المدني والعسكري ووصلت خسائرها لمئات القتلى بينهم نائبي رئيس وعدد من الدستوريين والعسكريين وأصحاب الكفاءة فى مختلف المجالات، وآخر تلك الحوادث كان نهاية العام الماضي بانفجار المروحية العسكرية (Mi-24) بعد لحظات من إقلاعها من مطار الأبيض لتكون رابعة طائرة عسكرية تسقط فى ذلك العام.
ويقول خبراء عسكريون فى مجال الطيران الجوي إن المقاطعة الاقتصادية خلقت أزمة بالنسبة لقطع غيار الطائرات عموماً مما تسبب فى هذا الكم الهائل من الحوادث، ويرى المحلل العسكري اللواء م فيصل مسعود الخبير أن تلك الحوادث بصورة عامة تأتي لعدة عوامل أبرزها الحظر الاقتصادي المفروض على السودان الذي يحول دون امتلاكه قطع الغيار اللازمة ويمنعه -كذلك- من القيام بإجراء الصيانات الدورية لأسطوله الجوي بصورة منتظمة بجانب أن الحظر يحد من خيارات فرص تدريب الكادر البشري.
أما الأسباب الأخرى التي لربما تقود لتهاوي الطائرات العسكرية فمتمثلة بحسب مسعود في حديث صحفي سابق: "مساحة السودان الهائلة بحيث تستغرق الرحلة من الخرطوم للجنينة (4 ساعات) نفس الوقت تقريباً الذي تقطعه ذات الطائرة في رحلتها من قلب العاصمة تجاه إحدى عواصم الجوار وهو ما يمثل عامل ضغط إضافي للطائرات العسكرية. كما وأن طقس السودان متعدد الأمزجة يلعب دوراً فاعلاً في حاجة الطائرات الدائمة لأعمال الصيانة.
أشهر الحوادث
والمتتبع لسقوط الطائرات في السودان يجد أن البلاد فقدت العديد من أبنائها أبرزهم النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق الزبير محمد صالح الذى سقطت طائرة (الانتنوف) التى كان على متنها بالناصر أثناء جولة تفقدية له بولايات الجنوب العشرة في فبراير 1998م بعد أن هوت طائرة "انتنوف" كانت تقله ومرافقيه في نهر السوباط بالقرب من مدينة الناصر بولاية أعالي النيل وصرع بجانب الزبير الذي عد وقتها أرفع مسؤول رسمي يلقى مصرعه وهو في سدة الحكم (20) آخرون أبرزهم القائد الجنوبي البارز أروك طون أروك والمهندس محمد أحمد طه، وعبد السلام سليمان سعد.
وبعدها بثلاثة أعوام وتحديداً في أبريل 2001م تحطمت طائرة عسكرية لدى انحرافها على مدرج عدارييل بأعالي النيل نتيجة عاصفة رملية كان على متنها العقيد إبراهيم شمس الدين مساعد وزير الدفاع أحد أبرز أعضاء مجلس قيادة ثورة الإنقاذ بجانب (14) من كبار ضابط الجيش، ومن بين الذين صرعوا في الحادثة الفريق أمير قاسم موسى، واللواء طبيب مالك العاقب الحاج الخضر قائد السلاح الطبي، واللواء بكري عمر خليفة، واللواء السيد العبيد عبد الحليم، واللواء كمال الدين علي الأمين، واللواء علي اريكا كوال، واللواء ياسين عربي محمد، واللواء فيصل عيسى أبو فاطمة، والعميد مهندس عمر الأمين كرار، والعميد أحمد يوسف مصطفى.
امتد الأمر أيضا لنائب الرئيس وقائد الجيش الشعبي د. جون قرنق الذي سقطت طائرة الرئاسة اليوغندية التى كانت تقله في سماء الجنوب في يوليو2005.
حصاد الأجواء
وفي حصاد الطائرات العسكرية نجدها أزهقت أرواح أكثر من خمسين ضابطاً بولاية كسلا في يونيو العام 1999م بعد عطل فني أصاب محرك طائرتهم.
وفي العام 2005م لقي (19) عسكرياً يتبعون للجيش الشعبي حتفهم إثر تحطم طائرتهم بالقرب من مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور. كما تحطمت طائرة عسكرية في مطار أويل شهر فبراير العام 2006م حاصدة أرواح عشرين من منسوبي الجيش السوداني.
بينما شهد العام 2007 في شهره السابع وفاة جنديين نتيجة احتراق محرك طائرتهما من طراز أنتنوف عقب إقلاعهما من مطار الخرطوم.
فى نهاية مارس من العام 2010 سقطت مروحيتان عسكريتان تتبعان للجيش بمنطقة شطاية بجنوب دارفور بين مدينتي كاس ونيالا، دون خسائر في الأرواح، وأكد الجيش أن المروحية الأولى سقطت نتيجة عطل فني، وكانت تحلق بارتفاع منخفض وهبطت الثانية لإنقاذ طاقمها فدخلت بعض الأتربة إلى محركها، ما أدى لاشتعال النيران فيها. وفي نيالا حاضرة جنوب دارفور قالت مصادر عسكرية عن تلك الحادثة، إن الطائرة الأولى كانت في مهمة استطلاعية عادية، بينما اصطدمت الثانية "بشجرة"، ما أدى لاحتراقها بعد تعرض محركها للأتربة.
وفى نهاية ديسمبر من العام 2010 سقطت طائرة تدريب عسكرية بمنطقة خلوية غرب مدينة بورتسودان أثناء قيامها بعمليات تدريب ليلي، وكان على متنها شخصان، أحدهما روسي الجنسية والثاني ضابط برتبة نقيب بالقوات المسلحة ولم يصابا بأذى جراء السقوط.
حوادث العام
فى نهاية ابريل الماضي من العام 2011م انحرفت طائرة سوخوي، عن المدرج بمطار الفاشر أثناء هبوطها بعد عودتها من مهمة استطلاعية. وقال الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة العقيد الصوارمي خالد سعد وقتها إن كابتن الطائرة خرج سليماً ولم يصب بأي أذى، كما نشب حريق محدود في أحد إطارات الطائرة تمت السيطرة عليه، مؤكداً أن الطائرة ستباشر مهامها بصورة طبيعية في القريب العاجل.
وقبلها بقليل تحطمت طائرتان عسكريتان الأولى مروحية تدريب من طراز (Mi-24) احترقت قبل إقلاعها من مطار الخرطوم في الثالث عشر من أبريل الماضي وقضى في الحادثة أحد أفراد طاقمها الثلاثة. وقال الصوارمي إن المروحية سقطت على أرضية المطار بالقُرب من المطار الحربي أثناء محاولتها الإقلاع، وأن النيران اشتعلت في أحد مُحركاتها قبل انحرافها عن المدرج واحتراقها، ومقتل أحد طاقمها المكون من (3) أشخاص - قبل أن يتوفى لاحقا -.
وذكر شهود عيان أن المروحية المنكوبة حاولت الإقلاع بالجزء الشمالي الشرقي لمدرج المطار لكنها هبطت سريعاً، قبل أن تهوي على الأرض إثر المحاولة الثانية، وأن النيرات اشتعلت في مؤخرتها قبل أن تتصاعد أعمدة الدخان بكثافة. وأضافوا أن الطائرة هوت على المدرج مباشرة واشتعلت فيها النار وأن الشخص القتيل لقي مصرعه في الحال وأن الاثنين الناجيين أصابتهما حروق شديدة، وأن أحدهما كسرت ساقه.
أما الطائرة الثانية والتى سقطت بعد خمسة أيام فهي من طراز (ام آي 17) وتحطمت فى الثامن عشر من أبريل بمنطقة (قولو) القريبة من الفاشر وهي قادمة من مهمة عسكرية بمنطقة (كرنوي)، جراء عطل أصاب محركاتها وبالتالي فقدت القوات المسلحة أفراد طاقمها الخمسة.
وتقول السلطات الرسمية إن المُبررات الموضوعية لتحطم تلك الطائرات متوافرة أيضاً.. وقالت المصادر إن الطائرة المنكوبة كانت في طريق العودة من مُهمة عسكرية بمنطقة «كرنوي» شمال غرب الفاشر.
ورغم الشائعات التي راجت عن أن الطائرة قصفتها الحركات المُسلحة، إلا أن والي شمال دارفور؛ محمد عثمان يوسف كبر، استبعد إمكانية وجود عمل عدائي أدّى لسقوط الطائرة، مبيناً أن الحادث نتج عن عُطل فني.
وفى كل الأحوال يمكن القول إن تساقط الطائرات العسكرية يفتح ملفاتها أمام المؤسسة العسكرية التى قطعت أشواطا فى تحديث أسطولها الجوي، ولكن ما زالت هناك بعض الثغرات التي تتسبب في فقدها للكثير من الأموال والكوادر الشابة، هذا غير الشخصيات المهمة التي قد تكون في تلك الطائرات.
صحيفة السوداني